لبنان على مفترق طرق- إصلاحات أم عزلة؟

المؤلف: منى الدحداح08.28.2025
لبنان على مفترق طرق- إصلاحات أم عزلة؟

يشهد لبنان في هذه الحقبة الزمنية الحرجة منعطفًا تاريخيًا دقيقًا، حيث تتزايد الضغوط الدولية والعربية، لا سيما من جانب الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. تجسدت هذه الضغوط في الزيارتين المتزامنتين للمبعوث الأمريكي توم براك والأمير السعودي يزيد بن فرحان إلى بيروت، اللتين حملتا في طياتهما رسائل قاطعة بشأن مستقبل لبنان وشروط الحصول على الدعم الخارجي المنشود.

وصل المبعوث الأمريكي توم براك إلى بيروت حاملاً معه مقترحًا أمريكيًا شاملاً، يمثل خارطة طريق مفصلة للخروج من الأزمة اللبنانية الخانقة. تركزت أبرز بنود هذه الورقة على مصير ترسانة أسلحة «حزب الله»، وضرورة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وحدها، مقابل تقديم وعود بانسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي الجنوبية وبدء عملية إعادة إعمار شاملة للبلاد. كما تضمنت الورقة ضمانات دولية بوقف كافة العمليات العسكرية الإسرائيلية، والإفراج الفوري عن الأسرى، وتسهيل صرف أموال إعادة الإعمار، شريطة التزام لبنان التام بتنفيذ المطالب الأمريكية المعلنة.

وقد حذّر براك المسؤولين اللبنانيين بلهجة لا تخلو من التهديد، مؤكدًا أن هذه الفرصة الذهبية قد لا تتكرر مرة أخرى، ومشددًا على أن المجتمع الدولي بأسره لن يقدم أي دعم مالي أو لوجستي لإعادة إعمار لبنان، ما لم يتم تسليم السلاح بالكامل إلى الدولة اللبنانية، وأن أي تلكؤ أو مماطلة في الاستجابة لهذه المطالب سيؤدي حتمًا إلى عواقب وخيمة على مستقبل لبنان السياسي والاقتصادي برمته.

في تزامن لافت مع زيارة براك، حل الأمير السعودي يزيد بن فرحان ضيفًا على بيروت في هذه اللحظة السياسية الفارقة. حملت زيارته رسائل دعم مشروط من المملكة العربية السعودية، حيث أكد على أهمية الشروع في تنفيذ إصلاحات مالية واقتصادية جذرية، والالتزام الصارم بمسار الاتفاق المبرم مع صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى ضرورة معالجة ملف سلاح «حزب الله» الشائك وتطبيق اتفاق الطائف بكافة بنوده وتفاصيله.

وأفادت مصادر سياسية مطلعة أن المملكة العربية السعودية، بالتنسيق الوثيق مع الولايات المتحدة، تنتظر من لبنان اتخاذ خطوات عملية وجدية، معتبرة أن استمرار الوضع الراهن على ما هو عليه سيؤدي حتمًا إلى وقف أي دعم مالي أو سياسي من دول الخليج العربي للبنان، الأمر الذي سيعمق عزلته الدولية ويزيد من تفاقم أزماته الداخلية المتراكمة.

واليوم، عاد المبعوث الأمريكي توم براك مجددًا إلى بيروت لاستلام الرد الرسمي من الدولة اللبنانية على المقترح الأمريكي المقدم. وبعد اجتماعه المثمر مع الرئيس اللبناني جوزيف عون، أعرب براك عن ارتياحه الشديد بأن الاجتماع كان بناءً ومثمرًا، وأكد على تقديره العميق للهجة المتوازنة والعقلانية التي تجلت في الرد على المطالب الأمريكية. وأشار إلى أن هناك فرصة سانحة ومتاحة، وأن اللبنانيين، أكثر من غيرهم، يمتلكون القدرة على اختيار السبل المثلى لاستغلالها على الوجه الأمثل، معبرًا عن رضاه التام عن الرد اللبناني المقدم. وأضاف أنهم بحاجة إلى فترة من التأمل والتفكير والتقييم، وأن على لبنان أن يتعلم جيدًا من دروس الماضي، وتحديدًا من اتفاق الطائف، وأنّ الآلية التي كانت قائمة بين لبنان وإسرائيل لم تحقق الأهداف المرجوة منها.

فهو يشير هنا بوضوح إلى أهمية الاستفادة القصوى من تجربة اتفاق الطائف، باعتباره وثيقة وطنية جامعة أنهت سنوات الحرب الأهلية اللبنانية المريرة وأرست دعائم الوحدة الوطنية وسيادة الدولة، مع التشديد في الوقت ذاته على أن الآليات أو الاتفاقات السابقة بين لبنان وإسرائيل لم تسفر عن تحقيق النتائج المتوقعة والمنشودة.

إن لبنان اليوم يقف أمام «النداء الأخير» أو الفرصة الأخيرة: إما الاستجابة الفورية لمطالب المجتمع الدولي والعربي، واتخاذ قرارات جريئة ومصيرية تضمن حصر السلاح بشكل كامل بيد الدولة وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، أو مواجهة عزلة دولية وانهيار اقتصادي واجتماعي قد يكونان الأخطر والأكثر تدميرًا في تاريخه الحديث والمعاصر. الكرة الآن في ملعب الدولة اللبنانية، والوقت يضيق بشدة أمام اتخاذ القرار المصيري الذي سيحدد مسار مستقبل البلاد.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة